الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن زحف الوزير عمر بن عبد الله إلى سجلماسة: لما احتل عبد الحليم وإخوته بسجماسة اجتمع إليهم عرب المعقل كافة بحللهم واقتضوا خراج البلد فوزعوه فيهم وانتضوا على الطاعة رهنهم وأقطعهم جنات المختص بأسرها واعصوصبوا عليه واستحثه يحيى بن رحو ومن هنالك من مشيخة بنى مرين إلى النهوض للمغرب فأجمع أمره على ذلك وتدبر الوزير عمر أمره وخشي أن يضطرم جمره فأجمع إليه الحركة ونادى في الناس بالعطاء والرحلة فاجتمعوا إليه وبعث العطاء فهم واعترض العساكر وأزاح العلل وارتحل من ظاهر فاس في شعبان من سنة ثلاث وستين وسبعمائة وارتحل معه ظهيره مسعود بن ماسي وبرز السلطان عبد الحليم إلى لقائهم ولما تراءت الفئتان بتاغزوطت عند فرج الجبل المفضي من تلول المغرب إلى الصحراء هموا باللقاء ثم تواقفوا أياما وتمشت بينهم رجالات العرب في الصلح والتجافي لعبد الحليم عن سجماسة تراث أبيه فعقد بينما وافترقا ورجع كل واحد منهما إلى عمله ومكانه من سلطانه ودخل عمر والوزير مسعود إلى البلد الجديد في رمضان من ستنه وتلقاهما سلطانهما بأنواع المبرة والكرامة ونزع الوزير محمد بن السبيع عن السلطان عبد الحليم إلى الوزير عمر وسلطانه فتقبل وحل محل التكرمة والردافة للوزارة واستقر كل بمكانه وتوادعوا أمرهم إلى ما كان من خلع عبد المؤمن لأخيه عبد الحليم ما نذكره إن شاء الله تعالى..الخبر عن بيعة العرب لعبد المؤمن وخروج عبد الحليم إلى المشرق: لما رجع عبد الحليم بعد عقد السلم مع الوزير عمر إلى سجلماسة واستقر بها وكان عرب المعقل من ذوي منصور فريقين: الأحلاف وأولاد حسين وكانت سجلماسة وطنا للأحلاف وفي مجالاتهم منذ أول أمرهم ودخولهم المغرب وكان من أولاد حسين في ممالأة الوزير عمر ما قدمناه فكانت صاغية السلطان عبد الحليم إلى الأحلاف بسبب ذلك أكثر فأسف ذلك أولاد حسين على الأحلاف وتجددت لذلك الفتنة وتزاحفوا وأخرج السلطان عبد الحليم أخاه عبد المؤمن لرقع ما بينهما من الخرق ولأمته فلما قدم على أولاد حسين دعوه أن البيعة والقيام بأمره فأبى فأكرهوه عليها وبايعوه وزحفوا إلى سجلماسة في صفر من سنة أربع وستين وستمائة وبرز عبد الحليم إليهم في أوليائه من الأحلاف وتواقفوا مليا وعقلوا رواحلهم وانكشف الأحلاف وانهزموا وهلك يحيى بن رحو كبير المشيخة من بني مرين يومئذ في حربهم وتغلبوا على سجلماسة ودخل إليها عبد المؤمن وتخلى له أخوه عبد الحليم عن الأمر وخرج إلى المشرق لقضاء فرضه فودعه وزوده بما أرادوا وارتحل إلى الحج وقطع المفازة إلى بلد مالي من السودان وصحب منها ركاب الحج إلى مصر ونزل على أميرها المتغلب على سلطانها يومئذ وهو مليغا الحاصكي وأنهى خبره إليه وعرف بمكانه فاستبلغ في تكويمه بما يناسب بيته وسلطانه وقضى حجه وانصرف إلى المغرب فهلك بقرب الإسكندرية سنة ست وستين وسبعمائة واستقل عبد المؤمن بأمر سجلماسة حتى كان من نهوض العسكر إليه ما نذكره إن شاء الله تعالى..الخبر عن نهوض ابن ماسي بالعساكر إلى سجلماسة واستيلائه عليها ولحاق عبد المؤمن بمراكش: لما افترقت كلمة أولاد السلطان أبي عنان وخلع عبد المؤمن أخاه تطاول الوزير عمر إلى التغلب عليهم ونزع إليه الأحلاف عدو أولاد حسين وشيعة عبد الحليم المخلوع فجهز العساكر وبث العطاء وأزاح العلل وسرح ظهيره مسعود بن ماسى إلى سجلماسة فنهض إليها في ربيع من سنة أربع وستين وسبعمائة وتلقاه الأحلاف بحلهم وناجعتهم وأغذ السير ونزع الكثير من أولاد حسين للوزير مسعود وبعث عامر بن محمد عن عبد المؤمن من سجلماسة فتركها ولحق بعامر فتقبض عليه واعتقله بداره من جبل هنتاتة ودخل الوزير مسعود إلى سجلماسة واستولى عليها واقتلع منها جرثومة الشقاق بافتراق دعوة أولاد أبي علي منها وكر راجعا إلى المغرب لشهرين من حركته فاحتل بفاس إلى أن كان من خبر انتقاضه على عمر وفساد ذات بينهما ما نذكره إن شاء الله تعالى..الخبر عن انتقاض عامر ثم انتقاض الوزير ابن ماسي على أثره: لما استقل عامر بالناحية الغربية من جبال المصامدة ومراكش وما إلى ذلك من الأعمال واستبد بها ونصب لأمره أبا الفضل ابن السلطان أبي سالم واستوزر له واستكفأ لأمره وصارت كأنها دولة مستقلة فصرف إليه النازعون من بني مرين على الدولة وجوه مفرهم ولجؤا إليه فأجارهم عن الدولة واجتمع إليه منهم ملأ وأشاروا إليه باستقدام عبد المؤمن وأنه أبلغ ترشيحا من أبي الفضل بنسبه وقيامه على أمره وصاغية بني مرين إليه فاستدعاه واظهر لعمر أنه يروم بذلك مصلحته والمكر بعبد المؤمن ونمي ذلك كله إلى عمر فارتاب به ونزع إليه آخرا السبيع بن موسى بن إبراهيم الوزير كان لعبد الحليم فكشف القناع في بطانته وتجهيز العساكر إليه واستراب بأهل ولايته وعثر على كتاب من الوزير مسعود بن ماسي إليه يخالصه وببذل له النصيحة فتقبض على حامله وأودعه السجن فتنكر مسعود وأغراه صحابته الملاشون له من بني مرين بالخروج ومنازعة عمر في الأمر ووعدوه النصر منه فاضطرب معسكره بالزيتون من خارج فاس موربا بالنزهة أبان الربيع وزخرف الأرض في شهر رجب من سنة خمس وستين وسبعمائة وبني أصحابه الفساطيط في معسكره حتى إذا استوفي جمعهم واعتزم على الخروج ارتحل مجاهرا بالخلاف وعسكر بوادي النجا بمن كان يعده الخروج معه من بي مرين ثم ارتحل إلى مكناسة وكتب إلى عبد الرحمن بن علي بن يفلوسن يستقدمه للبيعة وكان بجهات تادلا قد خرج بها بعد انصرافهم من سجلماسة وتخلف عن أخيه عبد المؤمن وبعث عامر إليهم بعثا فهزموه ثم لحق ببي ونكاسن فبعث إليه ابن ماسي وأصحابه فقدم عليهم وبايعوه وأخرج عمر سلطانه محمد بن أبي عبد الرحمن وعسكر بكدية العرائس وبث العطاء وأزاح العلل ثم ارتحل إلى وادي النجا فبيته مسعود وقومه فثبت هو وعسكره في مراكزهم حتى إنجاب الظلام وفروا أمامهم فاتبعوا آثارهم وانفض جمعهم وبدا لهم ما لم يحتسبوه من اصفاق الناس على السلطان ووزيره عمر واعتصامهم بطاعته فانذعروا ولحق مسعود بن ماسي بن رحو بتادلا ولحق الأمير عبد الرحمن ببلاد بنى ونكاسن ورجع عمر والسلطان إلى مكانهما من الحضرة واستمال مشيخة بنى مرين فرجعوا إليه وعفا لهم عنها واستصلحهم وتمسك أبو بكر بن حمامة بدعوة عبد الرحمن بن أبي يفلوسن وأقامهما في نواحيه وبايعه عليها موسى بن سيد الناس من بنى علي أهل جبل دبدو من بنى ونكاسن بما كان صهرا له وخالفه قومه إلى الوزير عمرو واعدوه بالنهوض إلى أبي بكر بن حمامة فنهض وغلبه على بلاده واقتحم حصنه انكاوان وفر هو وصهره موسى وفارقوا سلطانهم عبد الرحمن ونبذوا إليه عهده ورجعوا إلى طاعة صاحب فاس فلحق هو بتلمسان ونزل كل السلطان أبي حمو فاستبلغ في تكريمه ولحق وزيره مسعود بن ماسي بدبدة ونزل على أميره محمد بن زكراز صاحب ذلك الثغر وبعث إلى الأمير عبد الرحمن من تلمسان ليطارد به لفرصة ظنها في المغرب ينتهزها وأبي عليه أبو حمو من ذلك فركب مطلية الفرار ولحق بابن ماسي وأصحابه فنصبره للأمر وأجلبوا عل تازى ونهض الوزير إليهم في العساكر واحتل بتازى وتعرضوا للقائه ففض جموعهم وردهم عل أعقابهم إلى جبل دبدو وسعى بينهم ونزمار بن عريف ولمي الدولة في قبض عنانهم عن المنازعة والتجافي عن طلب الأمر وأن يجيزوا إلى الأندلس للجهاد فأجاز عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ووزيره ابن ماسي من غساسة فاتح سبع وستين وسبعمائة وخلا الجو من أجلابهم وعنادهم ورجع الوزير إلى فاس واحتشد إلى مراكش كما نذكر إن شاء الله تعالى.
|